الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فدلاهما} فنزلهما إلى الأكل من الشجرة، نبه به على أنه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة، فإن التدلية والإِدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل. {بِغُرُورٍ} بما غرهما به من القسم فإنهما ظنًا أن أحدًا لا يحلف بالله كاذبًا، أو ملتبسين بغرور. {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُما} أي فلما وجدا طعمهما آخذين في الأكل منها أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية، فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما. واختلف في أن الشجرة كانت السنبلة أو الكرم أو غيرهما، وأن اللباس كان نورًا أو حلة أو ظفرًا. {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة. {عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} قيل كان ورق التين، وقرئ {يَخْصِفَانِ} من أخصف أي يخصفان أنفسهما ويخصفان من خصف ويخصفان وأصله يختصفان. {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} عتاب على مخالفة النهي، وتوبيخ على الاغترار بقول العدو. وفيه دليل على أن مطلق النهي للتحريم.{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} أضررناها بالمعصية والتعريض للإخراج من الجنة. {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} دليل على أن الصغائر معاقب عليها إن لم تغفر. وقالت المعتزلة لا يجوز المعاقبة عليها مع اجتناب الكبائر ولذلك قالوا: إنما قالا ذلك على عادة المقربين في استعظام الصغير من السيئات واستحقار العظيم من الحسنات.{قَالَ اهبطوا} الخطاب لآدم وحواء وذريتهما، أو لهما ولإِبليس. كرر الأمر له تبعًا ليعلم أنهم قرناء أبدًا وأخبر عما قال لهم متفرقًا. {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} في موضع الحال أي متعادين. {وَلَكُمْ في الأرض مُسْتَقَرٌّ} استقرار أي موضع استقرار. {ومتاع} وتمتع. {إلى حِينٍ} إلى أن تقضى آجالكم.{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} للجزاء وقرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان {وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}، وفي الزخرف كذلك {تُخْرَجُونَ} بفتح التاء وضم الراء.{يا بنى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية وأسباب نازلة، ونظيره قوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الانعام} وقوله تعالى: {وَأَنزْلْنَا الحديد} {يوارى سَوْآتِكُمْ} التي قصد الشيطان إبداءها، ويغنيكم عن خصف الورق. روي: أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها، فنزلت. ولعله ذكر قصة آدم مقدمة لذلك حتى يعلم أن انكشاف العورة أول سوء أصاب الإِنسان من الشيطان، وأنه أغواهم في ذلك كما أغوى أبويهم. {وَرِيشًا} ولباسًا تتجملون به، والريش الجمال. وقيل مالًا ومنه تريش الرجل إذا تمول. وقرئ {رياشًا} وهو جمع ريش كشعب وشعاب. {وَلِبَاسُ التقوى} خشية الله. وقيل الإِيمان. وقيل السمت الحسن. وقيل لباس الحرب ورفعه بالابتداء وخبره: {ذلك خَيْرٌ} أو خبر وذلك صفته كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي {وَلِبَاسُ التقوى} بالنصب عطفًا على {لِبَاسًا}. {ذلك} أي إنزال اللباس. {مِنْ آيات الله} الدالة على فضله ورحمته. {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} فيعرفون نعمته أو يتعظون فيتورعون عن القبائح.{يا بنى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} لا يمتحننكم بأن يمنعكم دخول الجنة بإغوائكم. {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة} كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها، والنهي في اللفظ للشيطان، والمعنى نهيهم عن اتباعه والافتنان به. {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوآتهما} حال من {أَبَوَيْكُم} أو من فاعل {أَخْرَجَ} وإسناد النزع إليه للتسبب. {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} تعليل للنهي وتأكيد للتحذير من فتنته، وقبيله جنوده ورؤيتهم إيانا من حيث لا نراهم في الجملة لا تقتضي امتناع رؤيتهم وتمثلهم لنا. {إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} بما أوجدنا بينهم من التناسب، أو بإرسالهم عليهم وتمكينهم من خذلانهم وحملهم على ما سولوا لهم. والآية مقصود القصة وفذلكة الحكاية.{وَإِذَا فَعَلُواْ فاحشة} فعلة متناهية في القبح كعبادة الصنم وكشف العورة في الطواف. {قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا والله أَمَرَنَا بِهَا} اعتذروا واحتجوا بأمرين تقليد الآباء والافتراء على الله سبحانه وتعالى، فأعرض عن الأول لظهور فساده ورد الثاني بقوله: {قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء} لأن عادته سبحانه وتعالى جرت على الأمر بمحاسن الأفعال، أو الحث على مكارم الخصال. ولا دلالة عليه على أن أقبح الفعل بمعنى ترتب الذم عليه آجلًا عقلي، فإن المراد بالفاحشة ما ينفر عنه الطبع السليم ويستنقصه العقل المستقيم. وقيل هما جوابا سؤالين مترتبين كأنه قيل لهم لما فعلوها: لم فعلتم؟ فقالوا: وجدنا عليها آباءنا. فقيل ومن أين أخذ آباؤكم؟ فقالوا: الله أمرنا بها. وعلى الوجهين يمتنع التقليد إذا قام الدليل على خلافه لا مطلقًا. {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} إنكار يتضمن النهي عن الافتراء على الله تعالى.{قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط} بالعدل وهو الوسط من كل أمر المتجافي عن طرفي الإِفراط والتفريط. {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} وتوجهوا إلى عبادته مستقيمين غير عادلين إلى غيرها، أو أقيموها نحو القبلة. {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} في كل وقت سجود أو مكانه وهو الصلاة، أو في أي مسجد حضرتكم الصلاة ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم. {وادعوه} واعبدوه. {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي الطاعة فإن إليه مصيركم. {كَمَا بَدَأَكُمْ} كما أنشأكم ابتداء. {تَعُودُونَ} بإعادته فيجازيكم على أعمالكم فأخلصوا له العبادة، وإنما شبه الإِعادة بالإِبداء تقريرًا لإِمكانها والقدرة عليها. وقيل كما بدأكم من التراب تعودون إليه. وقيل كما بدأكم حفاة عراة غرلًا تعودون. وقيل كما بدأكم مؤمنًا وكافرًا يعيدكم.{فَرِيقًا هدى} بأن وفقهم للإِيمان. {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} بمقتضى القضاء السابق. وانتصابه بفعل يفسره ما بعده أي وخذل فريقًا. {إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله} تعليل لخذلانهم أو تحقيق لضلالهم. {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} يدل على أن الكافر المخطئ والمعاند سواء في استحقاق الذم، وللفارق أن يحمله على المقصر في النظر. اهـ.
|